ملف التعليم..الفساد في التعليم قبل الجامعي

من أخطر الأمراض التي تصيب الجهاز الإداري في مصر الفساد.. فهو الإخطبوط الذي أصبح يطول أماكن كثيرة في الجهاز الإداري للدولة.. وله من الأذرع في كل مكان وكل إدارة نصيباً أوفي.. وحظاً أوفر.. وهو الذي يقضى على كل إنجاز في مهده.. ويلتهم ثماره في شبابه.. ويغتال ذريته عند كبره.

وقد طال هذا الإخطبوط اللعين - ضمن ما طال- وزارة التربية والتعليم حتى تركها اسما ً بلا رسم.. وأسوارا ً متهالكة بغير بناء.. وسعيا ً دائبا ً بغير أثر.. فهو سعى كسراب لا يجدي شيئا ً ولا يروى ظمأً.

ومن عجب أن مصر قد وقعت على معاهدة دولية لمكافحة الفساد ودعم الشفافية.. بل كانت ثالث دولة في العالم تسارع إلى التوقيع عليها.. فإذا كانت المسارعة إلى توقيع المعاهدات هي الحل فبئس الحل هو.

أما عن عناصر الفساد في التعليم قبل الجامعي فمنها على سبيل المثال.. بناء المدارس.. وتصرف المعلمين داخل المدرسة.. وتأليف الكتب وطباعتها.. الامتحانات.. الدروس الخصوصية.. المجموعات المدرسية.. المتابعات الميدانية.. الترقيات.. وغيرها الكثير والكثير.. فإذا ما تكلمنا عن بعض هذه العناصر بشيء من التفصيل طال بنا المقام ولكننا سنعرض لبعض صور الفساد في العملية التعليمية.

ولنبدأ بالكتاب المدرسي.. والكتاب المدرسي من المفترض أن يكون مرجعاً مفيداً للطالب في مرحلته الدراسية أو التي تليها.. لكن البداية هي فساد الفكرة التي بني عليها الكتاب.. فالوزارة تنفق مليار جنية سنوياً على طباعة وتأليف الكتب التي لا يستفيد منها الطالب أو المعلم.. وتهدر ميزانيتها دون أدنى فائدة.

ففي التأليف يطرح الكتاب على أن يتم عمل المنهج تأليفاً وتقديماً في خلال شهرين.. وهذا يعنى كما قال د.,حسام بدراوى رئيس لجنة التعليم في مجلس الشعب – يعنى توجيه المناقصة لأحد بعينه ثم يأتي الدور على لجنة الاختيار والترشيح.. فإذا كانت المناقصة في خلال شهرين فالدور معروف ومدروس والنتيجة معروفة مقدماً.

أما الطباعة فهل تعلم أن500مليون جنيه سنوياً تفوز بها المؤسسات الصحفية نظير قيامها بطباعة الكتب.. وهذا المبلغ والله أعلم هو رشوة سنوية تقدمها الوزارة للصحافة لإسكاتها وكفها عن نقد المؤسسة التعليمية.

صحيح أن الكتاب المدرسي تحسن كثيراً من ناحية الشكل.. أما من ناحية المضمون والفكرة والفائدة فلا تتعدى 2%من المطلوب.. ولنسأل هل تؤدى المناهج الدراسية الهدف منها ؟..

إذا كان الهدف العام المرصود للمناهج هو دعم حقوق الإنسان في التعليم فإن الحقيقة أن المنهج يؤدى في النهاية إلى إهدار هذه الحقوق تماماً.. والكلام أيضاً للدكتور حسام بدراوى.

أما الواجب فهو ترك اختيار الكتب لسلطة لا مركزية تختار من بين عدة كتب أفضلها.. على أن يحقق أهداف التعليم مراعياً المرحلة السنية.. والكم المناسب من المعارف والمهارات والقيم والسلوكيات.. كذلك مراعاة الأخطاء المتكررة في الكتب المدرسية السابقة.

ومن الغريب أنك تلاحظ أن الكتاب الخارجي في جميع مراحل التعليم هو المسيطر تماماً من حيث البيع والانتشار.. وحجم مبيعات الكتاب الخارجي 1.5مليار جنيه سنوياً (تقرير مجلس الشعب لعام2006).

بل إنه لولا أن الوزارة قد فرضت فرضاً الكتاب المدرسي لما وزع منه أكثر من 7%من المطبوع.

فالمليار جنيه تصل بكاملها إلى تجار الورق ومصانعه لإعادة تصنيعها مرة أخرى.

وقد صرح الدكتور حسام بدراوى بأن هناك اتفاقاً على إغلاق هذه النافذة من التأليف ووضع إستراتيجية جديدة للطباعة والتأليف.. ولكن أين هي على أرض الواقع؟.

أما مشكلة بناء المدارس فهي مشكلة المشاكل التي ضرب الفساد بجذوره فيها حتى النخاع.. فالوزارة قد وضعت ضمن سياستها لحل مشكلة ارتفاع كثافة الفصول أن تقوم ببناء 800مدرسة سنوياً بتكلفة تبلغ 3مليار جنية في السنة.. كما أضافت الدولة من حصيلة الخصخصة 500مليون جنية لتجديد2000مدرسة.. وأنشأت هيئة حكومية خاصة للأبنية التعليمية.. لكن الحقيقة أن النسبة الأعلى من هذه الميزانية تذهب إلى جيوب الموردين والقطاع الخاص.. فالهيئة بلا إمكانيات حقيقية.. وقد عرض اقتراح بتسليم هذه العمليات للإدارة الهندسية بالقوات المسلحة وهى المعروفة بالجدية والسرعة والدقة ونظافة اليد.. ولكن رفض الاقتراح.. أما لماذا رفض؟ فالله أعلم.

وفي تقرير ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان لعام2005-2006ذكر تردى حالة 63منشأة تعليمية تعانى تدهوراً كبيراً وإهمالاً جسيما ً يهدد حياة وأرواح طلاب المدارس.

كما ذكر 37حالة فساد موثقة في التعليم قبل الجامعي.. أما العدد الحقيقي للحالات فالله أعلم به.

أما عن الامتحانات فحدث ولا حرج.. وإن كان يكيفك للتدليل على الفساد أن كلمة "اللجنة كانت كويسة" أصبح معناها أن فيها غشاً.

وفي تقرير المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية ذكر أن انتشار الغش بأنواعه التي ذكر منها الإجباري والجغرافي والطلابي والتطوعي والوزاري والمأجور قد أصبح يشكل خطراً على مسيرة التعليم.

ولعل حالات الغش الجماعي التي تم التحقيق فيها.. وكذلك التي لم يتم التحقيق فيها.. أكبر دليل على هذا الانتشار.

أما سير الامتحانات ودرجة صعوبتها أو سهولتها فعليك فقط بمتابعة أيام امتحانات الثانوية العامة والدبلومات الفنية.. وكثيراً ما تسمع "السؤال غير واضح".. "لا نعرف ما المطلوب من السؤال".

أما تسرب النتائج من الكنترولات ففي استطلاع للرأي قام به د.أحمد عبد السلام سليم – وكيل كلية التجارة - جامعة أسكندرية - فالنسبة30.8% في المرحلة قبل الجامعية.

والغش في نفس استطلاع الرأي على الطلاب كانت نسبته 98% .. وقد ذكر أيضا ً في نفس الاستطلاع أن جودة الخدمة التعليمية منخفضة جداً.. وأن طريقة انجاز الأعمال الإدارية على أدنى مستوى إداري.. وأن هناك نسبة17.5%من انجازات الطلاب أساسها المحسوبيات.

أما عن الإهمال في الامتحانات فأكبر شاهد عليه -هذا العام 2007- احتراق 67ورقة امتحان ثانوية عامة في إحدى محافظات الصعيد.. ومنع الطالب المتفوق الذي منح بعثة خارجية لتفوقه من دخول امتحان اللغة العربية بحجة عدم وجود اسمه في الكشوف.. وعدم السماح له إلا في اليوم الثاني للامتحانات بعد تصعيد الأمر وإذاعته في برنامج "العاشرة مساءً".

كذلك وصول عدة تظلمات في تصحيح أوراق الثانوية العامة لعشرين ألف تظلم من التصحيح.. كذلك عدم رد رسم إعادة التصحيح لصاحبه عند اكتشاف وجود حق له لم يأخذه من الدرجات والمقدر بمائة جنية عن كل مادة.

حتى وصل الأمر أن تكون نتائج الامتحانات متعلقة ومرتبطة تماماً بالسياسة.. خاصة نتائج الثانوية العامة.. يقول الإعلامي المعروف أ/جمال عنايت إن أهم انجاز يهتم به وزير التربية والتعليم هو أن يرفع نسبة النجاح في الثانوية العامة.. بل إن الوزير إذا استلم الوزارة أثناء الدراسة أخرج النتيجة سيئة إلى حدٍ ما.. وذلك حتى يستطيع أن يرفعها في العام التالي ويصبح هذا أحد انجازاته أو أهمها.

أضف إلى ذلك أن النتائج لا تعبر بالطبع عن المستوى.. وذلك لأن مدير المدرسة ومدرس الفصل والمشرفين جميعاً يحاسبون إذا كانت النسبة أقل من50%.. لذلك يحرصون بكل طريقة مشروعة أو غير مشروعة إلى رفع هذه النسبة لتجنب المساءلة.. وفي احدي المدارس تعرض أحد المدرسين للتحقيق من الشئون القانونية لأن سجل نتيجة امتحان الشهر الأول 37% فقط.. ومن يومها عرف المطلوب وحرص عليه.. فالنتائج عنده لا تقل عن 75%.

أما التغذية في المدارس فتتكلف حسب آخر إحصائية 870 مليون جنيه سنوياً.. أما فائدتها ولمن تصل هذه الملايين فالله أعلم.
أما الدروس الخصوصية فلا أجد تعليقاً عليها أقوى من تعليق د.فتحي سرور عند عرض مشروع الكادر الخاص للمعلمين.. وكان فيه تجريم الدروس الخصوصية ومعاقبة المعلم بالفصل أو التحويل للأعمال الإدارية أو غير ذلك قال "الدروس الخصوصية فساد في منظومة التعليم.. وليس للمعلم ذنب فيها".
كذلك د.أحمد جمال الدين وزير التربية والتعليم السابق عندما طلبوا منه وضع قانون لتجريم الدروس الخصوصية قال "سأكون غير واقعي.. ولن يكون لهذا القانون حتى قيمة الحبر الذي كتب به".
وقد وصلت نسبة الدروس الخصوصية 60%من الطلاب في التعليم قبل الجامعي - حسب تقرير مجلس الوزراء لسنة2005-2006" وأن 48"%من الأسر متوسط ما تنفقه على الدروس الخصوصية150جنيها شهريا ً حسب نفس التقرير السابق.
أما نسبة الدروس الخصوصية فهي في الإحصائية الرسمية:
55% مدارس حكومية.
53%مدارس تجريبي.
44%مدارس خاصة.
وهذه النسب هي نتيجة استطلاعات رأى وإحصائيات.
والدكتور حسام البدراوى يرى أن الدروس الخصوصية لها أثرها البالغ على الأخلاق فهي تغرس قيمة المال لدى التلاميذ.
هذه بعض صور الفساد داخل مؤسسة التعليم.
أما عن أسبابها فتدور حول ثلاثة أسباب رئيسية هي:-
أولاً :- عدم كفاية القوانين وإن شئت فقل كفاءتها.
ثانياً:- ضعف المرتبات.
ثالثاً:- ضعف الأخلاق.
كما أن وجود الوزارة والوزير من حزب واحد يضعف قوة محاسبة هذا الوزير أو ذاك..
وقد أضافت رئاسة الوزراء هيئة خاصة لمراقبة التعليم وهي هيئة ضمان الجودة والاعتماد.. ولكن دون جدوى.. فالقرارات جيدة ولكن العمل بها لا يتم بنسبة كبيرة.
فالتعليم في مصر مخرجاته بعيدة جداً عن مكانة مصر في العالم كله.. بل إن هناك مسافة كبيرة بين السياسة والتطبيق في التعليم.. فالأمور لا تحتاج لمجرد قوانين مكتوبة.. أو قرارات عنترية.. وإنما تحتاج إلى مجهود كبير.. وتضحية كبرى لمحاربة هذا الفساد.. والوصول بالتعليم إلى بر الأمان.

» بعد تحجيم دور وزير التعليم العالي في افتتاح الجامعة الأمريكية